الجمعة، 25 فبراير 2011

حِينَ يُقذفُ القذافُ



ما حَضَرَ الرئيسُ اللِّيبيُّ ( مُعَمَّر القذافي) مُنتدًى أو مَجْمَعًا إلا أطلقَ لِسانَه في تعدادِ الفضائلِ السياسيةِ اللامِعَةِ في كتابه (الأخضر) ، وطفِقَ يَدعو دُوَلَ العالمِ كافَّةً إلى التسليمِ له والصِّياغَةِ على قالبِه ، وأخطرُ مِن ذلك أنه يَرَى جميعَ النظُمِ السياسيةِ -ما عدا نِظامَه- في تخبُّطٍ وتَوهٍ ، وأنه وحدَه تعَلَّقَ بِذِروةِ المَعالِي يومَ أبدَعَ شِرعةً في الحُكمِ ذاتَ جودةٍ ومَعدِلةٍ  ؛ لو عَمِلَ بها أهلُ الأرضِ لأصابوا شاكِلةَ الصَّوابِ وازدهروا في مَعاشِهم ،
ولا يَنسَى أنْ يقذِفَ الامبرياليةَ العالمِيةَ الغَشُومَ ويَشرَحَ سَعيَ مُجرِمِيها للاستيلاءِ على السَّماواتِ والأرَضِينَ وما فِيهما وإذلالِ الناسِ واسترقاقِهم ، ولمَّا اعتلى مِنبرَ الأُممِ المتحدةِ غَمَطَ أعضاءَها وقرَّعَهم ورماهم بخَطيئةِ الطَّيشِ والبَلادةِ والكِبْرِ – وهم أهْلٌ لذلك- وأنكرَ عليهم رِضاهم بما حَلَّ بالعراقِ مِن غزوٍ واحتلالٍ وما تبعَ ذلكَ مِن الفِتنِ والفجائعِ ، ولقد راقتني خُطبتُه في الأممِ المتحدةِ وأبْرَدَتْ مُهْجَتِي ؛ ذلك بأنَّ العراقَ لا مُحامِيَ لهُ في المَجامِعِ الدوليةِ ولا صوتًا مَسموعًا يُذِيعُ للناسِ البَلاءَ الواقِعَ به ويُنبئهم بالضَّيمِ الذي لا يَبرحُ يُؤذِي أهالِيَهُ .
كلُّ ذلك كان مَرضِيًّا من (القذافي) لو أنَّ لِلِيبيا وأهلِها نصيبًا مَشهودًا مِمَّا يدعو إليه ، ولكنه مُعِلِّمٌ حُذاقِيٌّ وصادِعٌ بالحقِّ في المَحافِلِ الدوليةِ فإذا خلا إلى قومِه دَمْدَمَ عليهم وأذاقهم وَيْلَه وعذابَه .
وما إنِ اندفَعَ اللِّيبيُّون يَرُومونَ عَزلَه مع نظامِه حتى أحاطوا بنـُصُبٍ للكتابِ (الأخضرِ) وراغُوا عليه تحطِيمًا فرَجْرَجُوه وفلقوه فِلقتين فطرَحُوه أرضًا فإذا هو جُذاذُ حِجارةٍ تذودُها أقدامُ المُشاةِ !!!.
وكم مِن شَهْمٍ كان ذا مَكانةٍ في الدولةِ أعلنَ اعتزالَهُ عن القذافي ونادَى رِفاقَهُ وأتباعَهُ في قنواتِ التلفزةِ : أنِ انزِعُوا يَدَ الوَلاءِ مِن رئيسٍ أغارَ على قومِه وأرسَلَ جُندَهُ يَجُسُونَ خِلالَ الأحياءِ فيَسطون بساكِنِيها ويَحُسُّونهم حَسًّا .
وبعدما اشتدَّ الكربُ وزُلزِلَتْ قلعةُ النظامِ خَرَجَ نَخِيلةُ أبيهِ (سيفُ "الإسلامِ") في غَمْرَةٍ يُبرِقُ ويُرعِدُ ،،، وكان أحرَى به أنْ يَلِينَ لقومِه ويرأفَ بهم ويأسَفَ على ما فرَّطَ أبوه في رِعايتِهم فأضعفهم وملأَ نفوسَهم غيظًا عليه وتسخُّطًا لِما جَناهُ عليهم ، كان أحرَى به أنْ يَشكرَ لهم مَسعاهُم وعَزمَهم على تنقِيَةِ بلادِهم مِمَّا رَانَ عليها مِن قهرٍ وعَوَزٍ ، غيرَ أنه رَكِبَ مَركبَ الأُبوَّةِ وقفا أثرَها وأنذرَ قومَه عذابًا يُحِيقُ بهم إنْ لم يرجعوا عمَّا شَرَعُوا فيه ، وسرعانَ ما أنجَزَ ما توعَّدَهم به فأمطرَ عيلهم جَمْرَ طائراتِه ورصاصَ مُرتزِقتِه فأصبحت الطرقاتُ وقد غطَّتها أشلاءُ الليبيينَ فذكَّرنا بما أُصِيبَ به العراقيون بعد داهِيةِ الغزوِ ، أهذه جماهيريةٌ يَحكمُها أهلُها أم بُستانٌ فلاَّحُوه عبيدٌ يَمْلِكهم عاسِفٌ مُختالٌ ؟!
يقالُ { لكلٍّ نصيبٌ مِن اسمِه } فإذا أنزلنا هذه المَقولةَ على الرئيسِ
( مُعَمَّر) وجدناها خَلِيقةً به ، فالمُعَمَّرُ هو طويلُ العُمرِ ومنه قوله تعالى في القرآنِ الكريمِ { وما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ ولا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إلا في كِتابٍ} (الآية 11 سورة فاطر)  ، وهو أطولُ الرؤساءِ عَهْدًا في الحُكمِ ؛ فقد مَضَى على توليه الرئاسةَ نيِّفٌ وأربعونَ خَرِيفًا ، ومع شِدَّةِ الأذى الذي رَعَبَ الليبيينَ في الأيامِ الثمانِيةِ المُنصرِمَةِ لم يَكترِثْ القذافيُّ لهم ولا ضاقَ ذرْعًا ؛ بل ظهَرَ عَشِيَّةَ الثلاثاءِ يُباهِي بنفسِه ويَدِّعِي شَرَفًا يُرانِي الكواكِبَ ومَحَبَّةً له في قلوبِ الليبيين لم يُوهَبْها نبيٌّ مُرسَلٌ ، وسلَقَ المُنتفِضِينَ عليه بحَدِيدٍ مِن التُّهَمِ والمَذمَّةِ والوَعِيدِ ، فناسَبَهُ
قولُ المتنبي :
وحالاتُ الزَّمانِ عَليكَ شَتَّى   وحالكَ واحِدٌ في كلِّ حالِ.
ألم يأنِ للقذافي - وقد شارَفَ السَّبعِينَ- أنْ يَدَعَ خُيَلاءَهُ فيَنظرَ في شأنِه مَعَ شعبه فيَرُدَّ عليهم ما سلبَهم إيّاهُ مِن عِزَّةٍ ورَغادَةِ عَيشٍ ؟! أم هو باقٍ على هِجِّيراهُ القديمِ لا يَلوِي على أحدٍ ؟!
إنَّ فيما جَرَى على (القذافيِّ) لعِبرَةً  لكلِّ مَن أوشكَ شَنِيعُ أفعالِه أنْ يَغتالَ وَسِيمَ أقوالِه ، فهل مِن مُدَّكِرٍ ؟!