الاثنين، 19 مارس 2012

يُرِدْنَ زَوْجًا




مِن المَعلومِ أنْ يلتمِسَ الرَّجُلُ نظراتٍ إلى المرأةِ إذا أعجبته ؛ فإنْ تمادَى في النظرِ نحوَها وَجَدَ منها توبيخًا أو انصرافًا ، والشَّواهِدُ على ذلكَ لا يُدرِكها إحصاءٌ في قدِيمِ الزَّمانِ وجَديدِه ، ولنقرَأْ مِن السَّالِفِ خَبَرًا ساقه ابنُ منظورٍ في لسانِ العربِ في فصْلِ (ضوء) فقال : {عَلِقَ ( أحَبَّ ) رجلٌ من العَرَبِ امرأَة فإِذا كان الليلُ اجْتَنَحَ إِلى حيثُ يَرَى ضَوْءَ نارِها فَتَضَوَّأَها ( رآها والضَّوءُ يَكشِفُها ) فَقيل لَها إِن فلاناً يَتَضَوَّؤُكِ لِكَيْما تَحْذَره فلا تُريه إِلاَّ حَسَناً فلما سَمِعَتْ ذلك حَسَرَتْ عن يَدِها إِلى مَنْكِبها ثم ضَرَبتْ بِكَفِّها الأُخْرى إِبْطَها وقالتْ يا مُتَضَوِّئاهْ هذه في ......؛ فلما رأَى ذلكَ رَفَضَها}.
أورَدتُ هذِي الأُقصُوصة على ما فيها مِن قِلةِ احتشامٍ لأمرَينِ اثنينِ ؛ أمَّا أحدُهما فلِأُظهِرَ أغلظَ ما يَتيسَّرُ لامرأةٍ أنْ تفعلَه بمَن تعَمَّدَ استراقَ النظرِ إلى ما خَفِيَ منها ، وفي الحقِّ : كيفما يكن صَدُّها له فما هي بمَلومَةٍ عليه . وأمَّا الآخَرُ : فعَمَّا قليلٍ يَستشِفُّه القارئُ الكريمُ.
سمِعتُ بمَواقعِ الزواجِ مُنذُ سِنينَ فأعمَلتُ مَطِيَّ البَحثِ عنها ذاتَ يومٍ لأُحِيطَ بها خُبْرًا ، فلم أستطِع دُخُولاً إلى موقعٍ إلاّ بتسجيلٍ فسجَّلتُ في أحدِها باسمٍ ليس اسمِي - وكذا عادةُ المُسجِّلينَ هُنالِكَ - ، فتصَفَّحتُ الموقعَ ورأيتُ كيف يتعارفُ المُستزْوِجونَ ويَتواصَلونَ ؛ ثم غادرتُه بعد أنْ بلغتُ مَقصِدي مِن العلمِ ، وتركتُ صفحتي خالِية مِن كلِّ ما يَكشِفُ عن شخصي أو يدلُّ عليه ، ونسِيتُ ما سجَّلتُ بهِ مِن اسمٍ ورَمْزِ مُرورِ بل نسِيتُ المَوقعَ بأصِيلتِه ؛ وما كان لي رُجُوعٌ إليه لولا أنْ وَصَلتْ منه إليَّ بضْعُ دَعَواتٍ وعُرُوضٍ ؛ لا شيءَ فيها إلاّ صُوَرٌ لِشَوابَّ - جمع شابَّة- يُبْدِينَ بعضَ مَفاتِنِهنَّ ؛ وتلكَ الصُّوَرُ مُريبة ولا تحُثُّ راشِدًا على زَواجٍ ، فقلتُ في نفسي : لعلَّ أولئكَ الشَّوابَّ أضْناهنَّ طُولُ الانتظارِ واليأسُ مِن مَجيءِ راغِبٍ فيهنَّ فاندفعْنَ بجَراءةٍ إلى إبداءِ مَستورِ أجسامِهنَّ عَسَى أنْ يُصادِفنَ عِندَ أحدٍ قَبُولاً واستحسانًا ، ولكنْ أيكونُ طولُ الانتظارِ عُذرًا لهنَّ فِيما يُقدِمْنَ عليه ؟ وإنْ رُضِيَ عُذرُهنَّ فهل طرحُهنَّ الثيابَ يَستقدِمُ إليهنَّ زَوْجًا ؟!. ثمَّ رَجَعتُ القولَ وأنشأتُ أسألُ : متى كان الرُّشْدُ حافِزًا للرجلِ وحاكِمًا عليه إذا أرادَ له زوجةً ؟! أذكرُ حِينَ الثانويةِ زَمِيلاً مِن النُّخبةِ سُئلَ عن الزَّوجةِ التي يَرجُوها ؛ فتمنَّى أنْ يكونَ لِزوجتِه صِفاتُ جسْمٍ هو على النقِيضِ منها ! ولم يَتمَنَّ فيها شيئًا آخرَ بتَّةً !. ومِن قبلِه يقولُ المتنبي:
أذا الغُصْنُ أمْ ذا الدَّعْصُ أمْ أنتِ فِتنةٌ  = وذَيَّا الذي قبَّلتُه البَرْقُ أم ثغرُ
أذا : أهذا ، الغُصنُ : كِناية عن قدِّها ، الدَّعصُ : معناه الرَّمْلُ وهو كِناية عن رِدفها ، أم أنتِ فِتنةٌ : أي تفتنين الناسَ بحُبِّكِ فيحسبون قدَّكِ غُصنًا ورِدفكِ رَمْلاً ، الذي قبَّلته : هو أسنانُها ، ولِشَدَّةِ صَفائها ظنّها بَرقًا.
فتِلكَ الشَّوابُّ إذاً عَرَفنَ ما يَبتغِيه الرجلُ فيهنَّ ففعلنَ له ما يُرَغِّبُه ؛
غيرَ أنهنَّ غافِلاتٌ عن أنَّ جَمْهَرَةَ الوافِدِينَ عليهنَّ لا يَرتضُونَ زوجةً تتزَيَّدُ في عَرْضِ مَحاسِنِها وإنما هم لِمُصاحبتِها والانتفاعِ بها مُشَمِّرونَ وطالِبون.
لا بدَّ مِن الإقرارِ بأنَّ مواقعِ الزواجِ اللاتِي جُلتُ فيها أكثرُها ليستْ كمِثلِ الموقعِ الذي تحدَّثتُ بأمْرِه في هذه المقالةِ ؛ بل هي نزِيهةٌ ومُنظَّمة.