مَطلعُ الحُبِّ شَوقٌ مُترَدِّدٌ ؛ لا دافِعَ لِخَطَراتِهِ وإنْ ضَعُفتْ ، فإذا استحكمَتْ بادَرَ المُشتاقُ إلى المُلتقَى واقتحَمَ كلَّ عَقَبَةٍ حتَّى يُوافِيَ رَغِيبَتَهُ ، قالَ مِهيارٌ الديلمِيُّ:
دعانِي الشَّوقُ يَزأرُ بي إليكمْ
فسِرْتُ مُلِبيًّا والدَّهرُ يَخسَا
يَخسَا : يَخسَأ
.............
والشوقُ طَمَاعةٌ في سَلوَةٍ أو شَهوةٍ ، فإنِ التقتِ الروحانِ أوَّلاً فلِقاءُ الجسمَينِ آخِرًا سَلوةٌ ؛ يَتآنسُ المُتحابَّانِ في ظِلِّها ، وليس للشهوةِ طيشٌ ساعَتئذٍ، وإن لم تلتقِ الروحانِ قبلُ فاللِّقاءُ بعدُ شَهوةٌ غالِبةٌ ؛ لا شَوقٌ في إثرِها ولا بَهجةٌ ، قال الحكمُ بنُ أبي الصلتِ:
غيرَ أنَّ اللقاءَ في الحُلمِ أشفَى
لِجَوَى الشوقِ عندَ أهلِ الحُلومِ
فتلاقِي الأرواحِ ألطَفُ مَعنًى
في المُصافاةِ مِن تلاقِي الجُسُومِ
جَوَى الشوقِ : شِدَّتُهُ وحُزنُه.
أهلِ الحُلومِ: أهلِ العقلِ والأناةِ وضبطِ النفس.
.............
وفضِيلةُ الشوقِ أنه يُحيي في الفؤادِ أنبَلَ ما في الحُبِّ مِن مَواجِيدَ ؛ كألَمِ الفِراقِ وأمَلِ الوِصالِ وعُلُوِّ الهِمَّةِ ، وكلما فاضَتِ المواجيدُ انسكبتْ في عَمَلٍ أو قولٍ ، يَبرَأُ المُحِبُّ بإذاعَتِهِ ويَهْنِأ الحَبيبُ بلَذاذتِهِ ولو لم يكن مُزَيَّنًا ، قال عنترةُ بنُ شدَّادٍ بعدَ وُقوفِهِ
على طَلَلٍ:
وقفتُ بهِ والشَّوقُ يَكتبُ أسطرًا
بأَقلامِ دَمعِي في رُسُومِ جَناني
رُسُومِ جَناني : آثارِ قلبي : ما بَقِيَ منه سَلِيمًا.
..............
"غادةُ بنتُ شبيرٍ" نَدِيَّةُ التطرِيبِ ، غنَّتْ "اغتراب" على مقامِ الحجازِ وكشَفَتِ الغِطاءَ عن شَغَفِ المُشتاقِ النائي عن حبيبَه.
ــــــــــ
حُرِّرَتِ السحابةُ لِأربعَ عشرةَ ليلةً خلتْ مِن شُباطَ عامَ أربعةَ عشرَ وألفَينِ.
ذهَبَ كِرامٌ مِن القارئينَ مَذهبًا نائيًا في فهم "سحابة في الحب3" ؛ ذلكَ بأنهم حَكمُوا على كاتبها كحُكمِهم على بعضِ المَكتوبِ فيها ، ولا يستوي الاثنانِ حُكمًا.
ردحذف